ومن هنا فإنَّ الصورة الشعرية هي في الأصل تشكيل لغوي يكوِّنها خيال الفنان من معطيات متعددة في مقدمتها العالم المحسوس أو ( الصورة الحسيّة)، "فأغلب الصور مستمدة من الحواس"( ).
على اعتبارها "منابع المعرفة ووسائلها في الإنسان، وبها يدرك ما يحيط به، وينفذ عن طريقها إلى العالم" ( )،ونجد أنَّ الشاعر شاكر الغزي اختار كمَّاً هائلاً من تلك المواد لينسج بها صوره، مساهماً في ذلك الخيال ، لأنَّ " الخيال الفني اختيار وتنسيق وتصرّف"( ).
يقول الشاعر شاكر الغزي:
ومسافرٌ... تعبتْ حقائبُ صبرهِ
ممَّا تُخبئُهُ مطامح صدره
يمشي على قلق
كأنَّ الريحَ يركبها
فتعثر خطوتاه بمهره
يمشي...
وكوفتُهُ النبيَّة خلفهُ خرجتْ
تنشرُ شعرها في إثره.( )
فالكلمات عنده نجدها تولّد أثرها عن طريق ما يرتبط بها من صور ، فقد كانت جميع العناصر المحسوسة وغيرها من لغة الشاعر ، فهو في عملية تركيبه الصورة اعتمد على الصورة الحسية فالشاعر في استدعائه للطبيعة ووصفه لها كان فطنا حيث استطاع ربط الصلة بين الأشياء كما كشف عن علاقات خفية بين عناصرها فرسم لنا صورا حية عبر من خلالها عن ذاتيته.
والصورة الشعرية الحسية: هي نتاج كل ما ينتقل عبر الحواس إلى الدماغ. وهذا لا يعني أن الصورة تتشكل بمجرد حشد هذه المدركات الحسية ورصفها، بل هي »تتطلب نوعا من العالقة الجدلية بين الذات المبدعة ومدركاتها الحسية، فتحذف منها أشياء، وتضيف إليها أشياء أخرى، ويعاد تركيب تلك المدركات في صورة مغايرة لكل أشكالها المألوفة؛ فلا تعود تطابق أي شيء خارج التجربة، يقول:
رجلاهُ من خشبٍ طويلٍ
قدماهُ أعرافُ أعرافُ الخيول.
ما شاء يخلع هامةً كي يحتذي أخرى
يُشيِّي الرئة الخليقةَ بالتنفُّس
يخبئ العطر الشهي بجيبها( )
تعد حاسة البصر من أهم الحواس عند الإنسان، فالعين هي الوسيلة الوحيدة التي يستلم بواسطتها الذهن البشري الصور المختلفة بأشكال مادية ملموسة. وهي بذلك تسهم في تشكيل الصورة الحسية. ونعني بالصورة البصرية »تلك الصور التي تكتب للعين، وتهتم بالجانب السيميائي في عملية التشكيل الشعري يقول:
ومياه عينيكِ استفزَّتني إلى
غرقي
وطوقُ يديكِ يا ما أقصرهُ( )
والصورة السمعية من طبيعة الصورة الحسية يقول:
حبيبي:
ملَّ من أسماعنا العتبُ
واصفرَّ ممَّا جلسنا فوقه العشبُ
أنا أُحبُّكِ في صمتٍ
فإن لهجتْ به الشفاهُ مراراً
يُفسدُ الحبُّ( )